لا يخفى على الملاحظين الدور الفرنسي الكبير و النشط في الآونه الأخيره وهو ليس مستغرب على دوله عظمى ولكن المستغرب هو لماذا الآن ولماذا بهذه الكيفيه !!
الحقيقه هي أن فرنسا خاضت ثلاث رحلات في الستين عاماً الأخيره الرحلة الأولى وكان ربانها ديغول وهي رحلة النهوض من عثرة الحرب العالمية الثانية و اصلاح الشرخ مع الجاره الألمانيه ، وقد كان من امتدادات هذه الرحله العوده الى الدور الأوربي بصوره مغايرة ، لقد ادرك ديغول والساسه الفرنسيين من خلفه أن التّعنت الفرنسي في أوربا وقطع التعاون مع الجارات الأوربيات ليس لصالح فرنسا خاصه وأن العصر الأستعماري ولى بلا رجعه ، و أن العصر الآن ليس عصر التفرد والمصير الذاتي والدفاع الواحد بل هو عصر الوحده الأوربيه و السياسه المتقاربه اقتصادياً و دفاعياً ، ومع وجود الشريك العالمي الجديد القوي والفتي "امريكا" ايقن الساسه الفرنسيون وجوب النهوض السريع لمواكبة هذه المتغيرات فكانت الرحله الأولى بنجاح ...
ثم خاضت فرنسا الرحله الثانية وهي رحلة العظمة ، أي كي تصبح فرنسا دوله عظمى ، فسارعت الى امتلاك السلاح النووي والذي دافعت عن حقها فيه بشراسه رغم معارضة أمريكا وروسيا لتجاربها وبخاصه تلك التي كانت على الجزر ، وبعد حصولها على السلاح التفتت لدورها الأوربي فعمدت الى وضع نفسها في صدارة أوربا و السوق الأوربيه والأتفاقات الدفاعيه الأوربيه و مشاريع التصنيع العسكري الأوربيه ، ورغم أن الشق الخارجي في هذه الرحله أو المسيره فشل مثل سعي فرنسا الى استغلال نفوذها في موريال في كندا و عمل استفتاء هناك ووقوف امريكا في وجه هذا التحرك كذلك فشلها في بسط نفوذ لها في شمال افريقيا من جديد ...
الرحله الثالثه الفرنسيه كانت منفتحه نحو العالم فأنشأت رابطة الدول "الفرنكفونيه" وهي الدول التي كانت مستعمره من فرنسا يوماً ما وكانت خطوه ايجابيه نحو بسط نفوذ اكبر لفرنسا لكن هذا النهج لم يكن يرقى لمستوى دوله مثل فرنسا تمتلك حق الفيتو وتعد دولة عظمى ، ظلت فرنسا هكذا حتى جاء عصر فرنسا الجديد عصر تقود فيه فرنسا جزء من الحراك السياسي العالمي جزء لا يستهان فيه وهذا العصر استطيع أن اسميه عصر "" ساركوزي "" ...
فمنذ دخول الرئيس ساركوزي للحكومه لأول مره في عهد سابقه شيراك سعى الى التغيير على الصعيد الداخلي والى الهيمنه على السياسه الداخليه فعندما كان رئيساً للحزب الحاكم الفرنسي عام 2004 كان له تأثير واضح على السياسات الخارجيه والداخليه ، فقد كان له تأثير ودور كبير في حمل فرنسا على معارضة التدخل الأمريكي البريطاني العسكري في العراق عبر الأمم المتحده و قد استطاع أن يكسب حليف قوي في هذا النهج ألا وهو المانيا وحمل العملاق الصامت الصين على المعارضه ...
بل انه ذهب بفرنسا الى التهديد بإستخدام الفيتو الذي قلما كانت تستخدمه بلاده ، مما دفع بالأمريكان وحلفائهم الى التحرك خارج مظلة الأمم المتحده ، بهذه التحركات رسمت فرنسا لها دور أوسع وهذه سنة الدول ، لا تعي الدول العظمى وجود المنافسين حتى تصطدم هي ومصالحها بهم ، استوعب شيراك تأثير الفتى الجديد (( ساركوزي )) على سياسات الجمهوريه فأختاره وزيراً للداخليه حتى يصرفه الى السياسه الداخليه ...
وكان بذلك قد اسدى لساركوزي خدمه بأن جعله يرسم لنفسه صوره صلبه في الجبهه الداخليه حتى يعرف الشعب خلفية رئيسهم القادم وشخصيته ، فسن ساركوزي نهج جديد في قوانين الهجره ومكافحة الجريمه وتطهير الأحياء الفقيره في باريس ، وقد بطش و مضى بقوه في سياسته وانتزع القرار من الرئيس شيراك وعزله عن الداخل ليكسب تأييد اليمين الفرنسي المتشدد ، ثم مضى في تشديد الخناق على العرب هناك والافارقه
تأييد اليمين دفع ساركوزي لترشيح نفسه للرئاسه عام 2007 ليبدأ بتطبيق سياسته التي نادى بها طيلة سنين مسيرته السياسيه ،
ساركوزي اللذي يحمل شهادة الدراسات السياسيه المعمقه وهي الماجستير بالعلوم السياسيه طبقاً للقانون الفرنسي ، كان قد نادى بسياسة القطيعه مع النهج السابق وبدأ سياسه جديده محورها التحرك وفق المصلحه الفرنسيه البحته وبناء دور فرنسي اكبر ...
ولقد كان دور ساركوزي الجديد كرئيس اكبر منه كعضو في الحزب الحاكم او كوزير ، بدءً من دور فرنسا المحوري في ازمة اسلحة الدمار الكوريه الشماليه ، مروراً في دورها في النزاعات الافريقيه منذ خمس سنوات وحتى الآن ففرنسا في النزاع الاخير في ساحل العاج انفردت بالتحرك العسكري و اسقطت الرئيس السابق قاباقو بيوم واحد بعد ان نفذ صبرها و على صعيد المغرب فقد كان موقفها البادئ في تجميد حسابات الرئيس التونسي المخلوع ابن علي واللذي تبعتها اوربا في ما بعد وموقفها في رفض لجوء ابن علي لها واللذي يعد موقف قيادي مروراً بدورها القيادي كذلك في تصدير قرار الامم المتحده الخاص بحماية المدنيين في ليبيا ، وتوليها لصدارة العمليات العسكريه في ليبيا لتدفع بريطانيا وسائر اعضاء الناتو باستثناء امريكا لتتبعها في تحركاتها ، و هي اول من اعترف بالمجلس الانتقالي الليبي …
واليوم لا يغفل احد عن دور فرنسا في العقوبات الاوربيه على سوريا في استباق للتحرك اللذي يعتزم رفع القضيه للامم المتحده واللذي من المتوقع ان تعارضه الصين و روسيا …
ان الدور الفرنسي الجديد و الرحله الفرنسيه التي يقودها الربان ساركوزي "بامتياز" تمتاز بالتصاعد والتوسع و لن تقف عند هذا الحد فترقبوا ما ستصنعه فرنسا في سبيل نجاح رحلتها …